الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وتقدم أن معنى أرأيتم: أخبروني عن حالكم إن كان هذا القرآن من عند الله، وكفرتم به وشاققتم في اتباعه.{من أضل منكم}، إذ أنتم المشاقون فيه والمعرضون عنه والمستهزئون بآيات الله.وتقدم أن أرأيتم هذه تتعدى إلى مفعول مذكور، أو محذوف، وإلى ثانٍ الغالب فيه أن يكون جملة استفهامية.فالمفعول الأول محذوف تقديره: أرأيتم أنفسكم، والثاني هو جملة الاستفهام، إذ معناه: من أضل منكم أيها الكفار، إذ مآلكم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.ثم توعدهم بما هو كائن لا محالة فقال: {سنريهم آياتنا في الآفاق}.قال أبو المنهال، والسدي، وجماعة: هو وعيد للكفار بما يفتحه الله على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر.{وفي أنفسهم}: أراد به فتح مكة، وتضمن ذلك الإخبار بالغيب، ووقع كما أخبر.وقال الضحاك، وقتادة: {في الآفاق}: ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديمًا، {وفي أنفسهم}: يوم بدر.وقال عطاء، وابن زيد: في آفاق السماء، وأراد الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك، وفي أنفسهم عبرة الإنسان بجمسه وحواسه وغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك.ونبهوا بهذين القولين عن لفظ سنريهم، لأن هلاك الأمم المكذبة قديمًا، وآيات الشمس والقمر وغير ذلك، قد كان ذلك كله مريبًا لهم، فالقول الأول أرجح.وأخذ الزمخشري هذا القول وذيله فقال: يعني ما يسر الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللخلفاء من بعده، وأنصار دينه في آفاق الدنيا، وبلاد المشرق والمغرب عمومًا، وفي ناحية العرب خصوصًا من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلق الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة، وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعافهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورًا خارجة عن المعهود خارقة للعادة، ونشر دعوة الإسلام في الأقطار المعمورة، وبسط دولته في أقاصيها، والاستقراء يطلعك في التواريخ والكتب المدوّنة في مشاهد أهله، وأيامهم على عجائب لا ترى وقعة من وقائعهم إلا علمًا من أعلام الله وآية من آياته تقوى معها النفس ويزداد بها الإيمان ويتبين أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر خبيث مغالط نفسه.انتهى ما كتبناه مقتصرًا عليه.{حتى يتبين لهم أنه}: أي القرآن، وما تضمنه من الشرع هو الحق، إذ وقع وفق ما أخبر به من الغيب، و{بربك}: الباء زائد، التقدير: أوَلم يكفك أو يكفهم ربك، و{أنه على كل شيء شهيد} بدل من ربك.أما حالة كونه مجرورًا بالباء، فيكون بدلًا على اللفظ.وأما حالة مراعاة الموضع، فيكون بدلًا على الموضع، وقيل: إنه على إضمار الحرف أي أوَلم يكف ربك بشهادته، فحذف الحرف، وموضع أن على الخلاف، أهو في موضع نصب أو في موضع جر؟ ويبعد قول من جعل بربك في موضع نصب، وفاعل كفى إن وما بعدها، والتقدير عنده: أوَلم يكف ربك شهادته؟ وقرئ: {إن} بكسر الهمزة على إضمار القول، وألا استفتاح تنبه السامع على ما يقال.وقرأ السلمي والحسن: {في مرية} بضم الميم، وإحاطته تعالى بالأشياء علمه بها جملة وتفصيلًا، فهو يجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم. اهـ.
.قال أبو السعود في الآيات السابقة: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي إذا سئلَ عنها يقالُ الله يعلمُ أو لا يعلمُها إلا الله تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات مّنْ أَكْمَامِهَا} أي من أوعيتِها جمعُ كِمٍ بالكسرِ وهُو وعاءُ الثمرةِ كَجُفِّ الطلعةِ. وقُرئ {من ثمرةٍ} على إرادةِ الجنسِ والجمعُ لاختلافِ الأنواعَ. وقد قرئ بجمعِ الضميرِ أيضًا، ومَا نافيةٌ ومِنْ الأُولى مزيدةٌ للاستغراقِ، واحتمالُ أَنْ تكَونَ مَا موصولةً معطوفةً على الساعةِ ومِنْ مبينةً بعيدٌ {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ} أي حَملَها.وقوله تعالى: {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ الأحوالِ أيْ وما يحدثُ شيىء من خروجِ ثمرةٍ ولا حملِ حاملٍ ولا وضعِ واضعٍ ملابسًا بشيءٍ من الأشياءِ إلا ملابسًا بعلمهِ المحيطِ {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى} أي بزعمِكم كما نصَّ عليه في قولِه تعالى: {نَادُواْ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ} وفيهِ تهكمٌ بهِم وتقريعٌ لَهُم ويومَ منصوبٌ باذكُرْ أو ظرفٌ لمضمرٍ مؤخرٍ قد تُرك إيذانًا بقصورِ البيانِ عنْه كما مرَّ في قولِه تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} {قَالُواْ ءاذَنَّاكَ} أي أخبرناكَ {مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} لهم بالشركةِ إذ تبرأنَا منهم لَمَّا عاينَّا الحالَ وما منا أحدٌ إلا وهو موحدٌ لكَ، أو ما منا من أحدٍ يشاهدُهم لأنهم ضلُّوا عنهُم حينئذٍ وقيلَ: هو قولُ الشركاءِ أي ما منَّا من شهيدُ لهم بأنَّهم كانُوا محقِّينَ.وقولهم آذناكَ إما لأنَّ هذا التوبيخَ مسبوقٌ بتوبيخٍ آخر مجابٍ عْنُه بهذا الجوابِ أو لأنَّ معناهُ أنك علمتَ من قلوبِنا وعقائدِنا الآنَ أنا لا نشهدُ تلكَ الشهادةَ الباطلةَ لأنَّه إذا علمَهُ من نفوسِهم فكأنَّهم أعلمُوه، أو لأنَّ معناهُ الإنشاءُ لا الإخبارُ بإيذانٍ قد كانَ قبلَ ذلكَ.{وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} أي يعبدونَ {مِن قَبْلُ} أي غابُوا عنُهم أو ظهر عدمُ نفعِهم فكانَ حضورُهم كغَيبتهم {وَظَنُّواْ} أي أيقنُوا {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} مهربٍ والظنُّ معلقٌّ عنْه بحرفِ النفي.{لاَّ يَسْئَمُ الانسان} أي لا يملُّ ولا يفترُ {مِن دُعَاء الخير} من طلبِ السعةِ في النعمةِ وأسبابِ المعيشةِ وقُرئ {من دعاءٍ بالخيرِ} {وَإِن مَّسَّهُ الشر} أي العسرُ والضيقةُ {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} فيه مبالغةٌ من جهة البناءِ ومن جهةِ التكريرِ ومن جهةِ أن القنوطُ عبارةٌ عن يأسٍ مفرطٍ يظهرُ أثرُه في الشخصِ فيتضاءلُ وينكسرُ أي مبالغٌ في قطعِ الرجاءِ من فضلِ الله تعالَى ورحمتِه، وهذا وصفٌ للجنسِ بوصفِ غالبِ أفرادِه لما أنَّ اليأسَ من رحمتِه تعالى لا يتأتَّى إلا من الكافرِ وسيصرحُ به {وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ} بتفريجِها عنْهُ {لَيَقُولَنَّ هذا لِى} أي حَقِّي أستحقُّه لما لِي من الفضلِ والعملِ أو لي لا لغَيري فَلاَ يزولَ عنِّي أبدًا {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي تقومُ فيما سيأتي {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى} على تقديرِ قيامِها {إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} أي للحالةَ الحُسنى من الكرامةِ وذلك لاعتقادِه أن ما أصابَهُ من نعمِ الدنيا لا ستحقاقِه له وأنَّ نعمَ الآخرةِ كذلكَ {فَلَنُنَبّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} أي لنعلمنَّهم بحقيقةِ أعمالِهم حينَ أظهرناهَا بصورةِ الحقيقيةِ وقد مرَّ تحقيقُه في الأعرافِ عند قولِه تعالى: {والوزن يَوْمَئِذٍ الحق} وفي قولِه تعالَى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} من سورةِ يونس {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} لا يُقادرُ قدُره ولا يُبلغ كُنهه.{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} أي عنِ الشكرِ {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي ذهبَ بنفسِه وتباعدَ بكليتِه تكبيرًا وتعظيمًا والجانبُ مجازٌ عن النفسِ كما في قولِه تعالَى: {فِى جَنبِ الله} ويجوزُ أن يرادَ به عِطْفُه ويكونَ عبارةً عن الانحرافِ والازورارِ كما قالُوا: ثَنَى عِطْفَةُ وتولَّى بركنِه: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} أي كثيرٍ مستعارٌ مما لَه عَرْضٌ متسعٌ للإشعارِ بكثرتِه واستمرارِه وهو أبلغُ من الطويلُ إذ الطول أطولُ الامتدادينِ فإذا كان عرضُه كذلكَ فما ظنُّك بطولِه. ولعلَّ هذا شأنُ بعضٍ غيرِ البعضِ الذي حُكِيَ عنه اليأسُ والقنوطُ أو شأنُ الكلِّ في بعضِ الأوقاتِ.{قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أي أخبرونِي {إِن كَانَ} أي القرآنُ {مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} مع تعاضدِ موجباتِ الإيمانِ به {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ في شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي من أضلُّ منكُم، فوضعَ الموصولَ موضعَ الضميرِ شرحًا لحالهِم وتعليلًا لمزيدِ ضلالِهم {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا} الدالَة على حقّيته وكونِه من عندِ الله {فِى الأفاق} هو ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادثِ الآتيةِ وآثارِ النوازلِ الماضيةِ وما يسرّ الله تعالَى له ولخلفائِه من الفتوحِ والظهورِ على آفاقِ الدنيا والاستيلاءِ على بلادِ المشارقِ والمغاربِ على وجةٍ خارقٍ للعادةِ {وَفِى أَنفُسِهِمْ} هو ما ظهرَ فيما بينَ أهلِ مكةَ وما حلَّ بهم وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما في الآفاق أي منازلِ الأممِ الخاليةِ وآثارِهم وفي أنفسِهم يومُ بدرٍ وقال مجاهدٌ والحسنُ والسُدِّيُّ في الآفاقِ ما يفتحُ الله من القُرَى عليهِ عليه الصلاةُ والسلامُ والمسلمينَ وفي أنفسِهم فتحُ مكةَ وقيلَ: في الآفاقِ أي في أقطار السمواتِ والأرضِ من الشمسِ والقمرِ والنجومِ وما يترتبُ عليها من الليلِ والنهارِ والأضواءِ والظلالِ والظلماتِ ومن النباتِ والأشجارِ والأنهارِ وفي أنفسهم من لطيفِ الصنعة وبديعِ الحكمةِ في تكوينِ الأجنةِ في ظلماتِ الأرحامِ وحدوثِ الأعضاءِ العجيبةِ والتركيباتِ الغريبةِ كقولِه تعالى: {وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} واعتذرَ بأنَّ معنَى السينِ مع أنَّ إراءةَ تلك الآياتِ قد حصلتْ قبلَ ذلكَ أنه تعالَى سيطلعُهم على تلك الآياتِ زمانًا فزماناٍ ويزيدُهم وقوفًا على حقائِقِها يومًا فيومًا {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} بذلكَ {أَنَّهُ الحق} أي القرآنُ أو الإسلامُ والتوحيدُ.{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ} استئنافٌ واردٌ لتوبيخهِم عَلى ترددهم في شأنِ القرآنِ وعنادِهم المُحوجِ إلى إراءةِ الآياتِ وعدمِ اكتفائِهم بإخبارِه تعالَى، والهمزةُ للإنكارِ، والواوُ للعطفِ عَلى مقدرَ يقتضيِه المقامُ أيْ ألَمْ يغنِ ولم يكفِ ربُّكَ والباءُ مزيدةٌ لتأكيدِ ولاَ تكادُ تزاد إلا معَ كَفَى.وقوله تعالى: {أَنَّهُ على كُلّ شيء شَهِيدٌ} بدلٌ منهُ أيْ أَلَم يُغنِهم عن إراءةِ الآياتِ الموعودةِ المبينةِ لحقيةِ القُرانِ ولم يكفهم في ذلكَ أنه تعالَى شهيدٌ على جميعِ الأشياءِ، وقد أخبرَ بأنَّه منْ عندِه وقيلَ: معناهُ أنَّ هَذا الموعودَ من إظهارِ آياتِ الله في الآفاقِ وفي أنفسِهم سيرونَهُ ويشاهدونَهُ فيتبينونَ عند ذلكَ أنَّ القرآنَ تنزيلُ عالمِ الغيبِ الذي هُو عَلى كلِّ شيءٍ شهيدَّ أي مطّلعٌ يستوِي عندَهُ غيبُه وشهادتُه فيكفيهم ذلك دليلًا على أنه حقٌّ وأنَّه منْ عندِه ولو لم يكُن كذلكَ لما قُوِيَ هذه القوةَ ولما نُصرَ حاملُوه هذهِ النُصرةَ فتأملُ.وأما ما قيلَ: من أنَّ المَعنى أَوَلَم يكفكَ أنِه تعالَى على كُلِّ شيءٍ شهيدٌ محققٌ له فيحققَ أمرَكَ بإظهارِ الآياتِ الموعودةِ كما حققَ سائرَ الأشياءِ الموعودةِ فمع إشعارِه بما لا يليقُ بجلالةِ منصبِه عليه السلامُ من الترددِ فيما ذكر من تحقيق الموعودِ يرده قولُه تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مّن لّقَاء رَبّهِمْ} أي في شكَ عظيمٍ منْ ذلكَ بالبعثِ والجزاءِ فإنه صريحٌ في أن عدمَ الكفايةِ معتبرٌ بالنسبةِ إليهم وقُرئ {مُريةٍ} بالضمِّ وهُو لُغةٌ فيها {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شيء مُّحِيطُ} عالمٌ بجميع الأشياءِ جُمَلِها وتفاصيلِها وظواهرِها وبواطنِها فلا تَخْفى عليها خافيةٌ منهم وهو مجازيهُمْ على كُفرِهم ومريتِهم لا محالةَ. اهـ..قال السمرقندي في الآيات السابقة: قوله عز وجل: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء} قال القتبي: يعني: ألزمناهم قرناء من الشياطين.وقال أهل اللغة: قيض يعني: سلط.ويقال: قيض بمعنى قدر.{فَزَيَّنُواْ لَهُم} يعني: زينوا لهم التكذيب بالحساب، وقال الحسن: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء} أي: خلينا بينهم، وبين الشياطين بما استحقوا من الخذلان، فَزَيَّنُوا لَهُمْ، {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} قال الضحاك.يعني: شككوهم في أمر الآخرة، وَمَا خَلْفَهُمْ يعني: رغبوهم في الدنيا.ويقال: زينوا لهم ما بين أيديهم.يعني: ما كان عليه آباؤهم من أمر الجاهلية، وما خلفهم.يعني: تكذيبهم بالبعث، {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} يعني: وجب عليهم العذاب {فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ} يعني: مع أمم قد خلت من قبل أهل مكة، {مّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} بالعقوبة.ويقال: إنَّهُمْ كَانوا خاسِرِين مثلهم.قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان} نزلت الآية في أبي جهل، وأصحابه، فإنه قال: إذا تلى محمد القرآن، فارفعوا أصواتكم، بالأشعار، والكلام في وجوههم، حتى تلبسوا عليهم، فذلك قوله: {والغوا فِيهِ} يعني: الغطوا، واللغط هو الشغب، والجلب، {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي: تغلبوهم فيسكتون.قال الزجاج: قوله: {والغوا فِيهِ} أي: عارضوه بكلام لا يفهم، يكون ذلك الكلام لغوًا.يقول الله تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا} يعني: في الدنيا بالقتل، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} في الآخرة {أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني: أقبح ما كانوا يعملون، ويقال: هذا كله من عذاب الآخرة.يعني: فلنذيقن الذين كفروا في الآخرة عذابًا شديدًا، ولنجزينهم من العذاب أَسْوَأَ ما كانوا يعملون.يعني: بأسوإ أعمالهم، وهو الشرك.{ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء الله النار} يعني: ذلك العذاب الشديد هو جزاء أعداء الله النَّارُ.يعني: ذلك العذاب هو النار ويقال: صار رفعًا بالبدل عن الجزاء.ثم قال: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} يعني: في النار موضع المقام أبدًا، {جَزَاء أَعْدَاء الله النار لَهُمْ} يعني: بالكتاب، والرسل.قوله تعالى: {وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا اللذين} يعني: الصنفين اللذين {أضلانا} يعني: استنا ضلالتنا، {مّنَ الجن والإنس} ويقال: جهلانا حتى نسينا الآخرة.ثم قال: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الاسفلين} في النار.ويقال: من الجن.ويقال: يعني: إبليس هو الذي أضلنا، ومن الإنس يعني: ابن آدم الذي قتل أخاه.ويقال: يعني: رؤساؤهم في الضلالة.كقوله: {وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّا أطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67] الآية.قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر: {أَرِنَا} بجزم الراء.والباقون: بالكسر ومعناهما واحد.قوله تعالى: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} يعني: قالوا ربنا الله، فعرفوه، واستقاموا على المعرفة.وقال القتبي: يعني: آمنوا، ثم استقاموا على طاعة الله.وقال ابن عباس في رواية الكلبي: {ثُمَّ استقاموا} على ما افترض الله عليهم.وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية، ثم قال: أتدرون ما استقاموا عليه؟ فقالوا: ما هو يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «اسْتَقَامُوا، وَلَمْ يُشْرِكُوا».وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {ثُمَّ استقاموا} ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة الله.فقال ابن عباس في رواية القتبي: {ثُمَّ استقاموا}.وعن أبي العالية أنه قال: {ثُمَّ استقاموا} أي: أخلصوا له الدين، والعمل.ويقال: وحّدوا الله تعالى، واستقاموا على طاعته، ولزموا سنة نبيه.
|